تعلمت أن لا أفترض سوء النية
لا يوجد ما هو أفضل لقلب العبد فى هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد.
إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع الواحد، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولاتحسسوا، ولاتجسسوا، ولاتنافسوا، ولاتحاسدوا، ولاتباغضوا، ولاتدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا".
وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لايطمعون فيهم أبداً، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة: فرِّق تَسُد؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية.
هناك العديد من الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين، ومنها ما يلى:
الدعاء: فإنه باب بكل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا
إنزال النفس منزلة الغير: فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه، لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً}. أشعر الله عباده المؤمنين أنهم كيان واحد، حتى إن الواحد حين يلقى أخاه ويسلم عليه فكأنما يسلم على نفسه: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ}.
حمل الكلام على أحسن المحامل: هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخيرمحملاً".
وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: "قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لوقوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير". فهكذا تكون الاخوة الحقيقية، أى إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجهاً من أوجه الخير.
التماس الأعذار للآخرين: فعند صدور قولأ وفعل يسبب لك ضيقاً أو حزناً حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذراً. إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك.
تجنب الحكم على النيات: وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، والله لم يأمرنا بشق الصدور، ولنتجنب الظن السيئ.
استحضار آفات سوء الظن: فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لاينقضى فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب بالناس إليه؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على إتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه فقال سبحانه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}
إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك، خاصة وأن الشيطان يجري من إبن آدم مجرى الدم، ولايكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين ، وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين.
رزقنا الله قلوباً سليمة، وأعاننا على إحسان الظن بإخواننا، والحمد لله ربالعالمين.